السبت، 5 فبراير 2022

فيشوس - 25

إيميليا

═══════ ✥.❖.✥ ═══════


في تلك الليلة نفسها، قمت بشيء لم أقم به منذ اليوم الذي خرجت فيه من منزل والديّ في تودوس سانتوس. سحبت صندوق الأحذية القديم خارجاً. وهو الصندوق الذي يملكه الجميع، ذاك المليئ بأسرارهم العاطفية الصغيرة. 


كان الأمر مختلفاً بنسبة لي ، لأنه لم يكن مليئ بالأشياء التي أردت تذكرها. بل مليئ بالأشياء التي أردت أن أنساها. 


مع ذلك ، حملته معي في كل مكان. حتى إلى نيويورك. وحاولت إقناع نفسي بأنني أخذته معي لأنني لم أكن أريد أن يعلم بما داخله أحد، ولكن الحقيقة هي أنه كان من الصعب أن ترك ما كنا عليه.

و ما كنا سنكونه.


في هذا الصندوق الصغير والممزق يكمن السبب بوقوعي في حب بارون سبنسر في المدرسة الثانوية.


لقد كان لدينا مشروع تقليدياً في ثانوية القديسين، أن يكون لدى كلاً منا "صديق قلم مجهول" من نفس المدرسة ونفس الفصل لطوال العام. كانت المشاركة إلزامية، وكانت القواعد بسيطة:


1-لا لغة بذيئة.

2-لا إسقاط تلميحات حول هويتك.

3-وبالتأكيد لا يمكنك تبديل أصدقاء القلم.


فاعتبرت المديرة السيدة فالويل، والدة جايمي، أنه مشروع سيلهم الطلاب ليكونوا ألطف مع بعضهم البعض، لأن لا يمكنك أن تكون على يقين من أنك تستطيع على الواقع أن تتحدث إلى صديق القلم الذي أنشأت صداقة كتابية معه. 


كان من المستغرب كيف تمسك الجميع بهذه اللعبة التقليدية، ولم يكن الطلاب في الواقع يمانعون الكتابة لزملائهم، على ما بدا. رأيت النظرات على وجوه الطلاب عندما قام المعلم المعيّن لهذا اليوم بإغراق المغلفات في خزاناتهم، متمنياً أن لا يقفزون عليه ليسألون عن هوية المرسلين، لأن تلك الإجابة ستكون عديمة الفائدة ، حيث أن السيدة فالويل هي الشخص الوحيد الذي يعرف مَن كان يكتب لمَن. لأنها مَن تتحكم بتوصيل الرسائل لأصحابها. 


ولا أحد يعرف ذالك. لأن الحروف مطبوعة دائماً ألكترونياً، وليست مكتوبة بخط اليد ، وكان من المفترض علينا أن نوقع بأسماء مزيفة لإخفاء هوياتنا. 


وعلى الرغم من ذلك ، فقد تعلقت بصديق القلم الخاص بي من أول رسالة تلقيتها خلال الأسبوع الأول في مدرستي الجديدة. ربما كان ذلك لأن أحداً لم يعطيني انتباه أو إهتمام في مدرسة جميع القديسين السامية. 

فقرر بلاك بدء محادثتنا على هذا النحو:


هل الأخلاق نسبية؟

-بلاك


كان هذا سؤالاً فلسفياً لا يسأله عادة شاب يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً. 


حسناً، نحن لم يكن من المفترض أن نشارك رسائلنا مع الطلاب الآخرين ، لكنني أدرك أن معظم أصدقاء القلم تحدثوا عن المدرسة ، والواجبات المنزلية ، والمول ، والحفلات ، والموسيقى ، والأشياء العادية ، وليس هذا. ولكن كانت بداية العام ، وكنت أشعر بالأمل والرضا عن نفسي ، لذلك أجبت:


يعتمد ذلك على من يسأل.

-بينكي


كان علينا فقط أن نتبادل رسالة واحدة في الأسبوع ، لذلك كنت متحمسة عندما وجدت رسالة في خزانتي بعد يومين فقط.


تلعبين جيداً ، بينكي. (من الناحية الفنية ، أنتِ تخترقين القواعد لأنني أستطيع أن أميز من إسمكِ أنكِ فتاة) هاكِ سؤال آخر قادم في الطريق ، وهذه المرة ، حاولي ألا تتهربي من الإجابة كـ كس فتاة. متى يكون مقبولاً الخروج عن القانون؟

-بلاك


أنا في الواقع ضحكت ، ولأول مرة منذ أن وصلت إلى تودوس سانتوس. لعقت شفتي وفكرت في السؤال طوال وقت بعد ظهر، قبل أن أكتب رداً.


حسناً بلاك ، (فشلت في رؤية كيف أن اللون الوردي لا يختلف عن الأسود. من الواضح أنك تخترق القواعد أيضاً ، لأني أستطيع أن أميز من أسمك أنك شاب) ، سأعطيك إجابة مباشرة و مدهشة: أعتقد أنه من المقبول مخالفة القانون في بعض الأحيان. عندما تكون ضرورة ، أو حالة طارئة ، أو عندما يطغي الحس السليم و المنطق على القانون.

مثل العصيان المدني. عندما ذهب غاندي إلى البحر بحثاً عن الملح ، أو عندما أخذت روزا باركس مقعداً في تلك الحافلة. لا أعتقد أننا فوق القانون. لكنني لا أعتقد أننا تحته أيضاً. أعتقد أننا بحاجة إلى أن نكون على مستوى من ذلك ونفكر جيداً قبل أن نفعل أي شئ.

ملاحظة:

إن وصفي بـ "كس" هو كسر قاعدة مبادلة اللغة البذئية، لذا من الناحية الفنية ، أنت فوضوي في حقل عالم اصدقاء القلم هذا.

-بينكي


جاء الجواب في نفس اليوم ، وكان يضرب سجلاً سريعاً لمراستنا لكل الأوقات. لا أحد كان متلهفاً للكتابة أكثر من اللازم، ولكن أعجبني بلاك. وأحببت أيضاً فكرة عدم الكشف عن هويتي في هذا المشروع، لأنني ظننت بأن بلاك ، سيكون مثل أي شخص آخر ، سيعاملني مثل القمامة يومياً لمجرد أنني كنت ابنة الخادمة. لذا يمكنني استخدامه كصديق.


أنا شبه معجب بإجابتك. ربما يجب علينا كسر المزيد من القواعد من خلال قدومك إلى منزلي هذه الليلة. فمي ليس جيداً فقط في الفلسفة.

-بلاك


أحمّر وجهي، فكوّمت رسالته ، ورميتها في سلة المهملات بجانب سريري، في غرفتي، داخل منزلي. يالغبائي ، ظننت أنني أتحدث إلى شخص كان مرحاً وذكياً حقاً ، ولكن كل ما أراده هو أن يصل إلى ماتحت تنورتي. لم أجب على بلاك ، وعندما اضطررت لإرسال رسالتي الأسبوعية ، أجبته:


لا.

-بينكي


بلاك أيضاً ، انتظر حتى اليوم الأخير من الأسبوع التالي قبل أن يجيبني.


خسارتك.

-بلاك


في الأسبوع التالي، قررت التوقف عن ممارسة الألعاب معه وكتابة شيء مطول. لقد كان أسبوعاً سيئاً وهو الأسبوع الذي وقع فيه حادث ملأ خزانتي بالقمامة وأخذ كتابي الحساب. لقد استحوذ ڤيشوس على أفكاري بشكل سوداوي، لذا حاولت أن اتخلص منه بالتفكير في أمور أخرى.


هل تعتقد أننا سنكسر لغز الشيخوخة يوماً ما؟ هل تساءلت يوماً ما إذا كنا قد ولدنا في وقت مبكر؟ ربما بعد مائة وعشرين عاماً من الآن سيجدون علاجاً للموت كأكسير الحياة او ما شابة. عندها سوف ينظرون إلينا ويفكرون ، "اوه، لم يحالفهم الحظ هؤلاء السكارى. نحن سوف نعيش للأبد! هاهاها" 

أعتقد أنني قد أكون متشائمة.

-بينكي


أجاب صباح اليوم التالي.


أعتقد أنه من المرجح أكثر أن هؤلاء الأشخاص سيتوجب عليهم التعامل مع العالم المليء بالدمار و الملوث الذي تركناه لهم، لأننا فعلنا كل شيء نريده ، وشاركنا الحياة حقاً عندما لم يكونوا حتى حيوانات منوية وبيضة داخل رحم إمرأة. لكن بالنسبة إلى سؤالك ، لا ، لأنني لا أريد أن أعيش إلى الأبد. ماذا سيكون المغزى من ذلك؟ ألستي جائعة لشيء؟ أليس لديك أحلام؟ ما الوزن والأهمية التي تحققها أحلامك إذا لم يكن لديها موعد نهائي؟ ما الفائدة إذا لم تكن مضطراً لمطاردتها اليوم؟ لن تكوني جائعة لتحقيقها فلديكِ غداً ، أسبوع ، عام ، أو مائة عام لذالك؟ وهذا يقلل أهمية الوجود بحد ذاتها.

أعتقد أنك واقعية وربما غريبة الأطوار كاللعنة. 

-بلاك 


لم أكتب له في اليوم التالي لأنني كنت أستعد لامتحان آخر مهم ، رغم أنني كنت أخطط للكتابة هذا المساء. ولكن بعد فوات الأوان. فقد كتب بلاك خطاب آخر.


لم أقصد ذلك بطريقة سيئة. 

غرابتك لا تطفئ حماسي.

-بلاك 


أراهن أن هذه مجرد جملة غزلية لتحاول بها أستدارجي إلى منزلك مرة أخرى.

-بينكي


تنهدت ، على أمل أن هذا لن يعني موجة جافة أخرى من الرسائل. لكن بلاك كتب لي بعد يومين.


حصلتي على فرصة واحدة فقط عزيزتي، أنا لن أطلب ذالك مرة أخرى. إلى جانب ذلك ، لدي شعور مزعج بأنني أعرف من أنتِ ، وإذا كان الأمر كذلك ، فأنا لا أريدك في أي مكان بالقرب من سريري ، أو منزلي.

سؤالي، هل يمكن أن تكون الحروب عادلة؟

-بلاك


عصف قلبي بضراوة في صدري خلال اليوم كله. نظرت حولي في الممرات ، أحاول أن ألتقط شخص ربما نظر إلي ضاحكاً ، لكن لم يفعل أحد. بل تصرف الجميع بنفس الطريقة. بمعنى أنهم إما تجاهلوني أو سخروا مني. بخلاف دين بالطبع. كان دين يتقرب مني بإستمرار. أردت بشدة أن أقول له لا ، أردت أن أشرح أنها فكرة سيئة ، وأن لدي مشاعر غريبة تجاة صديقه ، لكنني أدركت أن ذلك مثيراً للشفقة. الإعجاب بالفتى الذي يتنمر عليك، والحنين إلى شخص يجدك مقرفاً. كيف سأفسر له ذالك؟ 


على أي حال، لم أجب على بلاك. لقد قررت أنني سأقدم له إجابة مقتضبة عندما اضطر لإرسال رسالتي نهاية الأسبوع وسأقوم بتوجيه المحادثة في مكان آخر مثل آخر مرة. لكنني لم أستطع لأن رسالة أخرى جاءت في اليوم التالي.


وجهت لكِ سؤالاً ، إيميليا. هل تعتقدي أن الحروب يمكن أن تكون عادلة؟

-بلاك


الآن عرفت بالتأكيد من هو، وفي كل مرة جلست بجانبه في الفصل أو رأيته في الردهة ، نظرت إلى الجهة الأخرى بعيداً عنه، شعرت بالغضب من نفسي للتحدث مع بلاك بحرية. كان الأمر شبيهاً بقطعة حميمة مني يمتلكها ڤيشوس بين يدية، الآن أصبح لديه حق الوصول إلى حقائقي بلا حراك. وهذا كان ، بالطبع ، غباء مني. 


وكما لو كان هناك أي شك ، فإن رسالتي التالية من بلاك جاءت لي بعد يومين ، لكنها لم تكن تنتظرني في خزانتي في المدرسة. بل في غرفتي ، في شقة الخدم، وعلى طاولتي الصغيرة. 


لماذا لا تقاومي أبداً؟ لقد سرقت كتابكِ. تنمرت عليكِ. أنا أكرهكِ. حاربيني، خادمة. أريني مماذا أنتي مصنوعة.

-بلاك


تبادلنا صفحات فارغة للفترة المتبقية من الشهر. كانت خطاباتي إليه خالية من الكلمات ، على الرغم من أنني أحياناً كنت أعبّر عن مللي برسم أشياء بلا معنى داخل رسائل له. 


و رسائله لي لم تتضمن أي شيء على الإطلاق. كنت أحيانا أشم رائحة الورقة التي أرسلها إليّ. أحياناً كنت أقلّبها بين أصابعي ، لأنني أعلم أنه قد لمسها أيضاً.


ثم بدأت في مواعدة دين.


شعرت بالسوء طوال الوقت ، لكنني فعلت ذلك على أي حال. لم أكن أستغله ، لأنني أعجبت به. و لم أحبه ، لكن الحب لم يكن شيئاً أعتقدت أنني يجب أن أشعر به في مثل هذا العمر الصغير. ربما كان من الأسهل الاعتقاد بأن دين لم يحبني أيضاً. الى جانب ذلك ، كنا جيدين معاً. استمتعنا. لكن كلانا أراد الذهاب إلى جامعات خارج الولاية وهذا ما جعل الأمور أخف وأقل خطورة بيننا. على الأقل هذا ما اعتقدته.


بعد وقت قصير من بداية مواعدتنا أنا و دين، بدأ بلاك الكتابة مرة أخرى.


هل يمكنك معرفة الفرق بين الحب والشهوة؟

-بلاك


أجبته، لأنني أردت أن أستمتع بكل فرصة تجعلني أتحدث معه.


الشهوة هي عندما تريد أن يجعلك أحدهم تحظى بحالة جيدة. والحب هو عندما تريد أن تجعل أحدهم يشعر بحالة جيدة.

-بينكي


في المرة التالية التي تلقيت رسالة منه ، إرتعشت يدي. وأستمرت بالأرتعاش خلال الأشهر القادمة عندما بدأ بلاك يزحف نحو روحي ، ويأخذ مقعداً في حفرة داخل قلبي ، ليستقر بإسترخاء فيها.


وإذا أردت أن تؤذي أحدهم، 

فهل هذه هي الكراهية؟

-بلاك


اجبته:


لا ، إنه الألم. تريد أن تسبب الألم لأحدهم لأنه تسبب لك بالأذى. أعتقد أنك إذا كنت تكره أحدهم، فأنت فقط تريده أن يرحل عنك. إذن هل تكرهني حقاً بلاك؟

-بينكي


كان السؤال الأشجع الذي سألته. لقد استغرق كل أيام الأسبوع للعودة إليّ بإجابة.


لا.

-بلاك



اجبته في اليوم التالي، 


هل تريد التحدث عن ذلك وجهاً لوجه؟

-بينكي


مر أسبوع آخر قبل أن يجيب.


لا.

-بلاك


تحدثنا طوال بقية السنة، تحدثنا عن الفلسفة والفن. 


كنت اواعد دين، وكان ڤيشوس ينام مع جميع فتيات القديسين. لم نذكر أبداً هوياتنا الحقيقية مرة أخرى. لم نعترف لبعضنا البعض ، ليس شخصياً وليس في الرسائل، بأننا كنا نحن. 

لكن مع الوقت أصبح من الواضح أننا كنا متناغمين.


وفي كل مرة رأيته يسير في الممر بنظرته الكسوله المغرورة و المشجعات من حوله مع لاعبين كرة القدم يلحقون به، ابتسمت لنفسي ابتسامة خاصة. ابتسامة تقول إنني أعرفه أكثر مما يعرفونه. أنهم قد يتسكعون معه كل يوم ويحضرون حفلاته الغبية ، لكني كنت من يعرف الأشياء المهمة عنه.


حتى عندما حاول تقبيلي لأول مرة في غرفتي تلك الليلة ، لم يناقش بلاك و بينكي ذالك مطلقاً. بل وفي الأسبوع التالي، كتب لي كما لو أنه لم يحدث شيء. كما لو أن ڤيشوس و بلاك كانا أشخاصاً مختلفين تماماً.


كان الوقت الوحيد الذي اعترف فيه بأنه بلاك في اليوم الذي غادرت فيه تودوس سانتوس. كان قد انتهى مشروع "صديق القلم المجهول" الخاص بالمدرسة منذ أسابيع ، لكنني وجدت رسالة أعلى حقيبة سفري. كان خط اليد غير مألوف لي، لكنني أعرف لمن كان. 


كُتب فوق المغلف:


أفتحي، عندما تشعري أنك قد تسامحيني.


ما زلت لم أفتحها. إلى الآن. 


ليس حتى بعد أن نمت معه، لأنني أعرف أن الأمر لم يكن يتعلق بالغفران بنسبة لي. بل عن إرضاء حاجتي له. 


و الأن؟ الآن ما زلت لا أستطيع أن أغفر له ، لكن في النهاية فضولى تفوق على التحكم في نفسي.


سحبت الرسالة الأخيرة من علبة الأحذية القديمة، أخرجت ورقة صفراء وهشة من المغلف، وقرأت، 


كنتِ دائماً لي.

-بلاك



┄ ┉┅━ ✹ ━┅┉ ┄┈






هناك 3 تعليقات: